الصراع بين دعاة الأصالة والمعاصرة
صفحة 1 من اصل 1
الصراع بين دعاة الأصالة والمعاصرة
الصراع بين دعاة الأصالة والمعاصرة
لقد شهدت الساحة
العربية توترات شديدةً بين ثنائيات عديدة مترادفات لمعنى واحد : التقليد
والتجديد ، المحافظة والتحديث ، الجمود والتحرر ، الرجعية والتقدمية ،
الأنا والآخر ، الداخل والخارج ، المحلي والعالمي ، القديم والجديد ،
التراث والحداثة، ومنها الأصالة والمعاصرة .
وجدت منذ عصر النهضة ـ
وتوجد الآن ـ في المجتمع العربي أقلية تدعو تصريحاً أو تلويحاً إلى تقليد
الغرب جملة وتفصيلا ، بهدف الخروج من وضعنا البئيس . إن بعضهم يفسر هذا
الميل بالقانون الاجتماعي الذي ذكره ابن خلدون ، القاضي بأن المغلوب مجبول
على تقليد الغالب في كل شيء .
إن أمتنا العربية على الصعيد الثقافي لا
تبدأ من العدم بل هي تستند إلى إرث ثقافي غني باذخ ، وما يشغلها الآن هو :
كيف توائم بين هذا التراث وبين متطلبات العصر الذي نعيش فيه . هل تتمسك
بالثقافة المتوارثة التي ألفتها أم تهجرها إلى ثقافة مستوردة ؟ خطران
يتهددانها لأنها إن تمسكت بالقديم مكتفية به عاشت خارج الزمان ، وإن تلبست
الجديد بلا روية عاشت خارج المكان .
إن هذه المشكلة قد شغلت العديد من
المفكرين والباحثين ، ولكن من الجلي أن الثقافة ليست في أكثر مكوناتها صيغة
جامدة لا تتغير ، بل هي نتاج بشري ينمو ويزداد عمقاً واتساعاً بجهود البشر
. فالثقافة العربية في عصر المعري ببلاد الشام وعصر ابن رشد في الأندلس
ليست الثقافة العربية في العصر الجاهلي أو صدر الإسلام أو العصر الأموي .
إننا
نستطيع أن نقدر للتراث قيمته ودوره في تكويننا النفسي والاجتماعي ونأخذ
منه ما تقتضيه حاجتنا اليوم ، وأن نقبل على الثقافة المعاصرة فنقتبس من
ثقافات الآخرين ما تحتاج إليه ثقافتنا لتحقق معاصرتها ومواكبة الثقافات
الأخرى ، ولاسيما في ميدان العلوم والتقانة والتقنية والعلوم المستحدثة في
السنوات الخمسين الأخيرة ، فالمواءمة بين الموروث والجديد يحفظ للأمة
هويتها ويجدد طاقتها على النماء والتطور .
أجل إن الثقافة العربية هي
إحدى الثقافات الكبرى في تاريخ البشرية ، وهي مؤهلة اليوم لاستئناف دورها
حاضنة لقيم الخير والعدالة والمساواة والمحبة والسلام ونابذة كل ما يشوه
الإنسان من صور الشر والجور والعنصرية والظلم ، وذلك من خلال صيغة مركبة
متحركة متطورة لا تتنكر للأمس الغابر ولا تغمض العين عن متطلبات اليوم
والغد .
هكذا يوجد على الساحة العربية تياران يتفقان في الهدف ،محو
التخلف ، ويفترقان في الأسلوب : الأصالة بالمحافظة على الموروث،أم النبوغ
في إطار التراث الإنساني المشترك ؟
كان التيار الأول يمثل القديم الموروث في ثباته وشموخه ، وكان التيار الآخر يمثل الجديد الوافد في بريقه وإغرائه .
ولا
ريب : أنه وجد غلاة في كلا الفريقين . ففي مقابل الذين يريدون تجديد
الكعبة والشمس والقمر ، وجد الجامدون على كل قديم ، الذين يريدون أن يوقفوا
حركة الفلك وسير التاريخ ، شعارهم : ليس في الإمكان أبدع مما كان ! وضاع
الوسط بينهما حتى قال محمد كرد علي : نسينا القديم ، ولم نتعلم الجديد .
إنها
ثنائية مقبولة إذا أعطيت الكلمة حقها من الفهم والتحليل ، وهي ثنائية
التكامل ، لا ثنائية التضاد والتقابل ، وقد أحسن د. عبد المعطي الدالاتي
صياغتها بقوله : " لن تمتد أغصاننا في العصر حتى نعمق جذورنا في التراث
لقد شهدت الساحة
العربية توترات شديدةً بين ثنائيات عديدة مترادفات لمعنى واحد : التقليد
والتجديد ، المحافظة والتحديث ، الجمود والتحرر ، الرجعية والتقدمية ،
الأنا والآخر ، الداخل والخارج ، المحلي والعالمي ، القديم والجديد ،
التراث والحداثة، ومنها الأصالة والمعاصرة .
وجدت منذ عصر النهضة ـ
وتوجد الآن ـ في المجتمع العربي أقلية تدعو تصريحاً أو تلويحاً إلى تقليد
الغرب جملة وتفصيلا ، بهدف الخروج من وضعنا البئيس . إن بعضهم يفسر هذا
الميل بالقانون الاجتماعي الذي ذكره ابن خلدون ، القاضي بأن المغلوب مجبول
على تقليد الغالب في كل شيء .
إن أمتنا العربية على الصعيد الثقافي لا
تبدأ من العدم بل هي تستند إلى إرث ثقافي غني باذخ ، وما يشغلها الآن هو :
كيف توائم بين هذا التراث وبين متطلبات العصر الذي نعيش فيه . هل تتمسك
بالثقافة المتوارثة التي ألفتها أم تهجرها إلى ثقافة مستوردة ؟ خطران
يتهددانها لأنها إن تمسكت بالقديم مكتفية به عاشت خارج الزمان ، وإن تلبست
الجديد بلا روية عاشت خارج المكان .
إن هذه المشكلة قد شغلت العديد من
المفكرين والباحثين ، ولكن من الجلي أن الثقافة ليست في أكثر مكوناتها صيغة
جامدة لا تتغير ، بل هي نتاج بشري ينمو ويزداد عمقاً واتساعاً بجهود البشر
. فالثقافة العربية في عصر المعري ببلاد الشام وعصر ابن رشد في الأندلس
ليست الثقافة العربية في العصر الجاهلي أو صدر الإسلام أو العصر الأموي .
إننا
نستطيع أن نقدر للتراث قيمته ودوره في تكويننا النفسي والاجتماعي ونأخذ
منه ما تقتضيه حاجتنا اليوم ، وأن نقبل على الثقافة المعاصرة فنقتبس من
ثقافات الآخرين ما تحتاج إليه ثقافتنا لتحقق معاصرتها ومواكبة الثقافات
الأخرى ، ولاسيما في ميدان العلوم والتقانة والتقنية والعلوم المستحدثة في
السنوات الخمسين الأخيرة ، فالمواءمة بين الموروث والجديد يحفظ للأمة
هويتها ويجدد طاقتها على النماء والتطور .
أجل إن الثقافة العربية هي
إحدى الثقافات الكبرى في تاريخ البشرية ، وهي مؤهلة اليوم لاستئناف دورها
حاضنة لقيم الخير والعدالة والمساواة والمحبة والسلام ونابذة كل ما يشوه
الإنسان من صور الشر والجور والعنصرية والظلم ، وذلك من خلال صيغة مركبة
متحركة متطورة لا تتنكر للأمس الغابر ولا تغمض العين عن متطلبات اليوم
والغد .
هكذا يوجد على الساحة العربية تياران يتفقان في الهدف ،محو
التخلف ، ويفترقان في الأسلوب : الأصالة بالمحافظة على الموروث،أم النبوغ
في إطار التراث الإنساني المشترك ؟
كان التيار الأول يمثل القديم الموروث في ثباته وشموخه ، وكان التيار الآخر يمثل الجديد الوافد في بريقه وإغرائه .
ولا
ريب : أنه وجد غلاة في كلا الفريقين . ففي مقابل الذين يريدون تجديد
الكعبة والشمس والقمر ، وجد الجامدون على كل قديم ، الذين يريدون أن يوقفوا
حركة الفلك وسير التاريخ ، شعارهم : ليس في الإمكان أبدع مما كان ! وضاع
الوسط بينهما حتى قال محمد كرد علي : نسينا القديم ، ولم نتعلم الجديد .
إنها
ثنائية مقبولة إذا أعطيت الكلمة حقها من الفهم والتحليل ، وهي ثنائية
التكامل ، لا ثنائية التضاد والتقابل ، وقد أحسن د. عبد المعطي الدالاتي
صياغتها بقوله : " لن تمتد أغصاننا في العصر حتى نعمق جذورنا في التراث
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى